فصل: المقصد الأول في فضلها ومحاسنها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر الديار المصرية ومضافاتها من البلاد الشامية وما يتصل بهاء:

وفيه ستة فصول:

.الفصل الأول في مملكة الديار المصرية ومضافاتها:

وفيه طرف:

.الطرف الأول في الديار المصرية:

وفيه اثنا عشر مقصداً:

.المقصد الأول في فضلها ومحاسنها:

أما فضلها فقد ورد في الكتاب والسنة ما يشهد لها بالفضيلة، ويقضي لها بالفخر، قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها} يريد بالقوم بني إسرائيل، وبالأرض أرض مصر؛ ووصفها بالبركة إما بمعنى الفضل كما في قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}.
وإما من الخصب وسعة الرزق بدليل قوله تعالى مخبراً عن قوم فرعون: {فأخرجناهم من جناتٍ وعيونٍ * وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ * ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين}.
وقال جل وعز: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلةً} فأمر بالعبادة في بيوتها إشارة إلى شرف أرضها ورفعة قدرها.
وقد ذكر الله تعالى اسمها في غير موضع من كتابه العزيز في ضمن قصص الأنبياء عليهم السلام، فقال تعالى إخباراً عن يوسف عليه السلام: {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه} وفي موضع آخر: {وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} وقال حكاية عن فرعون لعنه الله: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي:} وفي معناه قوله تعالى خطاباً لبني إسرائيل: {اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم} على قراءة الحسن والأعمش مصر غير مصروف.
قال القضاعي: وكذلك قراءة من قرأ: {اهبطوا مصراً} مصروفاً بناء على أن مصر مذكر سمي به مذكراً فلم يمنع الصرف فيه، والتصريح بذكرها دون غيرها من الأقاليم دليل الشرف والفضل.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستفتحون بلاداً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لأهلها نسباً وصهراً» أراد بالنسب هاجر أم إسماعيل عليه السلام، وكان بعض ملوك مصر قد وهبها لزوجته سارة وأراد بالصهر مارية أم إبراهيم، ولد النبي صلى الله عليه وسلم، كان المقوقس قد أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم في جملة هديته.
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جنداً كثيفاً فذاك خير جند الأرض» قيل: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم في رباطٍ إلى يوم القيامة».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مصر أطيب الأرضين تراباً وعجمها أكرم العجم نصاباً».
ويقال في التوراة: مصر خزائن الله، فمن أرادها بسوء قصمه الله.
وقال عمر بن العاص رضي الله عنه: ولاية مصر جامعةً تعدل الخلافة.
ومن كلام كعب الأحبار: مصر بلد معافىً من الفتن، فمن أرادها بسوء كبه الله على وجهه.
ووصفها الكندي فقال: جبلها مقدس، ونيلها مبارك، وبها الطور الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام.
قال كعب الأحبار: كلم الله تعالى موسى من الطور إلى طوى، وفي التوراة: وادٍ مقدس أفيح يريد وادي موسى عليه السلام.
ودخلها جماعة من الأنبياء عليهم السلام، منهم إبراهيم ويعقوب ويوسف، وإخوته عليهم السلام.
ونقل في الروض المعطار عن الجاحظ أن عيسى بن مريم عليه السلام ولد بها بكورة أهناس الآتي ذكرها في كور مصر المقدسة، وأن نخلة مريم كانت بأهناس قائمة إلى زمانه.
وذكر أيضاً أن موسى عليه السلام ولد بها بمدينة أسكر شرقي النيل، وهي الآن قرية من الأعمال الأطفيحية الآتي ذكرها في أعمال الديار المصرية.
وبها سجن يوسف عليه السلام بمدينة بوصير الخراب من الأعمال الجيزية على القرب من البدرشين.
قال القضاعي: أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان، وأن الوحي كان ينزل عليه به، وسطحه معروف بإجابة الدعاء.
سأل كافور الأخشيدي الأمام أبا بكر بن الحداد الفقيه الشافعي عن موضع يستجاب فيه الدعاء فأشار عليه بالدعاء على سطح هذا السجن.
قال القضاعي: وعلى القرب منه مسجد موسى عليه السلام، وهو مسجد مبارك.
وبسفح المقطم بالقرافة الصغرى قبر يهوذا وروبيل من إخوة يوسف عليه السلام.
وقد روي أنه دخلها من الصحابة رضوان الله عليهم ما يزيد على مائة رجل، ودفن بقرافتها جماعة منهم فيما ذكره ابن عبد الحكم عن ابن لهيعة خمسة نفر، وهم: عمرو بن العاص، وعبد الله بن حذافة، وأبو بصرة الغفاري، وعقبة بن عامر الجهني، وعبد الله بن الحارث الزبيدي وهو آخرهم موتاً.
قال القضاعي: وذكر غير ابن لهيعة أن مسلمة بن مخلد الأنصاري أيضاً مات بها، وهو أميرها.
أما محاسنها، فلا شك أن مصر مع ما اشتملت عليه من الفضائل، وحفت به من المآثر أعظم الأقاليم خطراً، وأجلها قدراً، وأفخمها مملكة، وأطيبها تربةً، وأخفها ماءً وأخصبها زرعاً، وأحسنها ثماراً، وأعدلها هواءاً، وألطفها ساكناً.
ولذلك ترى الناس يرحلون إليها وفوداً، ويفدون عليها من كل ناحية، وقل أن يخرج منها من دخلها، أو يرحل عنها من ولجها مع ما اشتملت عليه من حسن المنظر، وبهجة الرونق لا سيما في زمن الربيع، وما يبدو بها من الزروع التي تملأ العين وسامةً وحسناً، وتروق صورةً ومعنًى.
قال المسعودي: وصف الحكماء مصر فقالوا: ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء وثلاثة أشهر مسكةٌ سوداء، وثلاثة أشهر زمردةٌ خضراء، وثلاثة أشهر سبيكةٌ حمراء.
فاللؤلؤة البيضاء، زمان النيل، والمسكة السوداء، زمان نضوب الماء عن أرضها والزمردة الخضراء، زمان طلوع زروعها، والسبيكة الحمراء، زمان هيج الزرع واكتهاله.
وقد قيل: لو ضرب بينها وبين غيرها من البلاد سورٌ، لغني أهلها بها عما سواها ولما احتاجوا إلى غيرها من البلاد، وناهيك ما أخبر الله تعالى به عن فرعون مع عتوه وتجبره وادعائه الربوبية بافتخاره بملكها بقوله: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}.
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات: وهي إقليم العجائب، ومعدن الغرائب؛ كان أهلها أهل ملك عظيم، وعز قديم، وإقليمها أحسن الأقاليم منظراً، وأوسعها خيراً؛ وفيها من الكنوز العظيمة، ما لا يدخله الأحصاء، حتى يقال إنه ما فيها موضع إلا وفيه كنز.
قلت: أما ما ذكره أحمد بن يعقوب الكاتب في كتابه في مسالك والممالك من ذمه مصر بقوله: هي بين بحر رطبٍ عفنٍ كثير البخارات الرديئة، يولد الأدواء ويفسد الغذاء، وبين جبل وبر يابس صلدٍ، لشدة يبسه لا تنبت فيه خضراء، ولا تتفجر فيه عين ماء، فكلام متعصبٍ خرق الأجماع، وأتى من سخيف القول بما تنفر عنه القلوب وتمجه الأسماع؛ وكفى به نقيصة أن ذم النيل الذي شهد العقل والنقل بتفضيله، وغض من المقطم الذي وردت الأثار بتشريفه.

.المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها وما بها من الأثار القديمة:

أما خواصها، فمن أعظمها خطراً معدن الزمرد الذي لا نظير له في سائر أقطار الأرض، وهو في مغارة في جبل على ثمانية أيام من مدينة قوص، يوجد عروقاً خضراً في تطابيق حجر أبيض، وأفضله الذبابي وهو أقل من القليل، بل لا يكاد يوجد.
ولم يزل هذا المعدن يستخرج منه الزمرد إلى أثناء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون فأهمل أمره وترك.
قال في مسالك الأبصار: وجميع ملوك الأرض وأهل الأفاق تستمد منه. وقد مر القول عليه في جملة الأحجار الملوكية في أواخر المقالة الأولى.
وأعظم خطراً منه وأرفع شأناً البلسان الذي يسميه العامة البلسم، وهو نبات يزرع ببقعة مخصوصة بأرض المطرية من ضواحي القاهرة على القرب من عين شمسٍ، ويسقى من بئر مخصوصة هناك، يقال إن المسيح عليه السلام اغتسل بها حين قدمت به أمه إلى مصر، والنصارى تزعم أنه حفرها بعقبه وهو طفلٌ حين وضعته أمه هناك.
ومن خاصتها أن البلسان لا يعيش إلا بمائها ولا يوجد في بقعة من بقاع الأرض غير هذه البقعة.
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات: وطول هذه الأرض ميلٌ في ميلٍ، وشأنه أنه يفصد في شهر كيهك من شهور القبط، ويجمع ما يسيل من دهنه ويصفى ويطبخ ويحمل إلى خزانة السلطان، ثم ينقل منه قدر معلوم إلى قلاع الشام والبيمارستان ليستعمل في بعض الأدوية؛ وملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج يستهدونه من صاحب مصر ويهادونه بسببه، لما يعتقدونه فيه من أثر المسيح عليه السلام في البئر، وله عليهم بذلك اليد الطولى والمنة العظمى، لا يساويه عندهم ذهب ولا جوهر.
قال في مسالك الأبصار: والنصارى كافةً تعتقد فيه ما تعتقد، وترى أنه لا يتم تنصر نصراني حتى يوضع شيء من هذا الدهن في ماء المعمودية عند تغطيسه فيها.
وبها معدن النطرون، وهو منها في مكانين: أحدهما- بركة النطرون التي بالجبل الغربي غربي عمل البحيرة الآتي ذكره في جملة أعمالها المستقرة، وهي من أعظم المعادن وأكثرها متحصلاً على حقارة النطرون وقلة ثمنه.
قال في التعريف: لا يعرف في الدنيا بركة صغيرة يستغل منها نظيرها، فإنها نحو مائة فدانٍ تغل نحو مائة ألف دينار.
والثاني- مكان بالخطارة من الشرقية، ولا يبلغ في الجودة مبلغ البركة الأولى، ولا يبلغ في المتحصل قريباً من ذلك.
وبها أيضاً معدن الشب على القرب من أسوان، وهو من المعادن الكثيرة المتحصل أيضاً إلى غير ذلك من الخواص.
وبها معدن النفط على ساحل بحر القلزم، يسيل دهنه من أعلى جبلٍ قليلاً قليلاً وينزل إلى أسفله فيتحصل في دبارٍ قد وضعها له الأولون، وتأتي العرب فتحمله إلى خزائن السلاح السلطانية.
وأما عجائبها فكثيرة: منها جبل الطير شرقي النيل، مقابل منية أبي خصيبٍ، فيه صدع يأتي إليه جنس البواقير من الطير، وهو المعروف بالبح في يوم من السنة فيضعون. مناقيرهم في ذلك الصدع واحداً بعد واحد حتى يتعلق منها واحد في ذلك الصدع فيتركونه ويذهبون.
قال ابن الأثير في عجائب المخلوقات: قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان تلك البلاد أنه إذا كان العام مخصباً، يقبض على طائرين، وإن كان متوسطاً، يقبض على طائر واحد، وإن كان جدباً، لم يقبض على شيء.
ومنها مكان بالجبل الشرقي عن النيل، على القرب من أنصنا به تلال رمل إذا صعد إلى أعلاها وكسح الرمل إلى أسافلها سمعت له أصوات كالرعد، يسمع من البر الغربي من النيل.
وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنه إذا كان الذي صعد على ذلك المكان جنباً أو كانوا جماعة فيهم جنب، لم يسمع شيء من تلك الأصوات لو كسح الرمل.
ومنها مكان بالجبل المذكور على القرب من إخميم به تلال رمل إذا كسحها الأنسان من أعلى إلى أسفل، عادت إلى ما كانت عليه وارتفع الرمل من أسفلها إلى أعلاها.
قال في الروض المعطار: وعلى النيل جبل يراه أهل تلك الناحية من انتضى سيفه وأولجه فيه وقبض على مقبضه بيديه جميعاً، اضطرب السيف في يديه وارتعد فلا يقدر على إمساكه ولو كان أشد الناس؛ وإذا حد بحجارة هذا الجبل سكين أو سيف لا يؤثر فيه حديد أبداً، وجذب الأبر والمسال أشد جذباً من المغناطيس، ولا يبطل فعلها بالثوم كما يبطل المغناطيس، أما الحجر نفسه فإنه لا يجذب.
قال القضاعي: وبجبل زماخير الساحرة يقال إن فيه خلقةً من الجبل ظاهرةً مشرفةً على النيل لا يصل إليها أحد يلوح فيها خط مخلوق باسمك اللهم. وعلى القرب من الطور عين ماء في أجمة رملٍ ينبع الماء من وسطها فواراتٍ لطيفةٍ وينبسط ماؤها حولها نحو الذراع، ثم يغوص في الرمل فلا يظهر له أثر، ولا يعرف أحد إلى أين يذهب، وهي على ذلك مدى الدهور والأيام لا ينقطع نبعها، ولا يجتمع ماؤها في مكان يدركه البصر؛ وعجائبها أكثر من أن تذكر.

.المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه وزيادته ونقصه:

وما تنتهي إليه زيادته، وما تصل إليه في النقص، وقاعدته أنا ابتداؤه وانتهاؤه، فاعلم أن ابتداءه من أول الخراب الذي هو جنوبي خط الأستواء المقدم ذكره، ولذلك عسر الوقوف على حقيقة خبره.
وقد ذكر الحكماء أنه ينحدر من جبل القمر، إما بفتح القاف والميم كما هو المشهور، وإما بضم وسكون الميم كما نقله في تقويم البلدان عن ضبط ياقوت في المشترك وابن سعيد في معجمه.
قال في رسم المعمور: وطرفه الغربي عند طول ست وأربعين ونصف وعرض إحدى عشرة ونصف في الجنوب، وطرفه الشرقي حيث الطول إحدى وستون درجةً ونصف والعرض بحاله. قال في الرسم: ولونه أحمر. وذكر الطوسيّ أنهم شاهدوه علىى بعدٍ، ولونه أبيض لما غلب عليه من الثلج. واعترضه في تقويم البلدان بأن عرض إحدى عشرة في غاية الحرارة لا سيّما في الجنوب لحضيض الشمس.
قال بطليموس: والنيل ينحدر من الجبل المذكور من عشرة مسيلات، بين كل مسيلين منها درجة في الطول المقدّم بيانه، والغربيّ منها وهو الأوّل، عند طلوع ثمان وأربعين درجة، والثاني عند طلوع تسع وأربعين، وعلى ذلك حتّى يكون العاشر منها عند طلوع سبع وخمسين، كل مسيل منها نهر، ثم تجتمع العشرة وتصب في بطيحتين كلّ خمسةٍ منها تصب في بطيحة، ثم يخرج من كل واحدة من البطيحتين أربعة أنهار، ثم تتفرّع إلى ستة أنهار وتسير الستة في جهة الشمال حتّى تصب في بحيرة مدوّرة عند خط الأستواء تعرف ببحيرة كوري، فيفترق النيل منها ثلاث فرق، ففرقة تأخذ شرقاً وتذهب إلى مقدشو من بلاد الحبشة المسلمين على ساحل البحر الهنديّ مقابل بلاد اليمن. وفرقة تأخذ غرباً وتذهب إلى التّكرور وغانة من مملكة مالي من بلاد السّودان، وتمرّ حتّى تصب في البحر المحيط الغربيّ عند جزيرة أوليل وتسمّى نيل السودان وفرقة تأخذ شمالاً- وهي نيل مصر- فيمر في الشّمال على بلاد زغاوة، وهي أوّل ما يلقى من بلاد السودان.
ثم يمر على بلاد النّوبة حتّى ينتهي إلى مدينتها دنقلة الآتي ذكرها في الكلام على ممالك السّودان.
ثم يمرّ شمالاً بميلة إلى الغرب إلى طول إحدى وخمسين، وعرض سبع عشرة على حاله.
ثم يمرّ مغرّباً بميلة قليلة إلى الشّمال إلى طول اثنتين وثلاثين، وعرض تسع عشرة.
ثم يرجع مشرّقاً إلى طول إحدى وخمسين.
ثم يمرّ في الشمال إلى الجنادل، وهو الجبل الذي ينحدر عليه النيل بين منتهى مراكب النّوبة في انحدارها ومراكب مصر في صعودها، حيث الطول ست وخمسون درجة، والعرض اثنتان وعشرون درجة.
ثم يمرّ شمالاً إلى مدينة أسوان الآتي ذكرها في أعمال الدّيار المصرية على القرب من الجنادل المقدّمة الذكر.
ويمرّ شمالاً بميلة إلى الغرب إلى طول ثلاث وخمسين، وعرض أربع وعشرين ثم يشرق إلى طول خمس وخمسين.
ثم يأخذ في الشمال حتى ينتهي إلى مدينة الفسطاط الآتي ذكرها في قواعد مصر المستقرّة.
ويمتدّ في جهة الشّمال أيضاً حتّى يصير بالقرب من قرية تسمّى شطّنوف من قرى مصر، من عمل منوف فيفترق بفرقتين: فرقة شرقية وفرقة غربية. فأما الفرقة الشرقية، فتمرّ في الشّمال حتّى تأتي على قرية تسمّى المنصورة من عمل المرتاحية، فتتشعب شعبتين، وتمرّ الغربية منهما وهي العظمى إلى دمياط من شرقيها، وتصب في بحر الروم حيث الطول ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون وخمس وعشرون دقيقة؛ وتمر الشرقية منهما على أشموم طناح، من غربيها حتّى تجاوز بلاد المنزلة، وتصب في بحيرة شرقيّ دمياط حتّى بحيرة تنّيس حيث الطول أربع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة.
وأما الفرقة الغربية، فتمر من شطّنوف المقدّم ذكرها حتّى تأتي بالقرب من قرية تسمى بأبي نشّابة من عمل البحيرة فتتشعب شعبتين، الغربية منهما وهي العظمى تأخذ شمالاً بين عمل البحيرة من شرقيها وبين جزيرة بني نصر من غربيها، والشرقية تأخذ شمالاً أيضاً بين جزيرة بني نصر من شرقيها، وبين عمل الغربية من غربيها. ويسمّى هذا البحر بحر أبيار، ويمر حتّى يلتقي مع الفرقة الغربية عند قرية تسمّى الفرستق من الغربية بالقرب من مدينة أبيار المنسوب إليها البحر المقدّم ذكره، ويصير شعبة واحدة ويمرّ حتّى يصب في البحر الروميّ غربي قرية تسمّى رشيد حيث الطول ثلاث وخمسون، والعرض إحدى وثلاثون.
ومن هذه الفرقة يتفرّع خليج صغير يدخل إلى بحيرة نستروه الآتي ذكرها في جملة البحيرات، ويتفرع من كل فرقة من هذه الفرق وما يليها من أعلى النيل خلجانٌ يأتي ذكر المشهور منها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما زيادته ونقصه، فقد اختلف في مدد زيادته، فنقل المسعوديّ عن العرب أنه يستمد من الأنهار والعيون. ولذلك تغيض الأنهار والعيون عند زيادته. وإذا غاض زادت؛ ويؤيده ما روى القضاعيّ بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: إنّ نيل مصر سيّد الأنهار، سخر الله له كلّ نهر بين المشرق والمغرب أن يمدّه فأمدّته الأنهار بمائها، وفجّر الله له الأرض عيوناً فانتهى جريه إلى ما أراد الله فأوحى الله إلى كل منها أن يرجع إلى عنصره.
ويقال عن أهل الهند: زيادته ونقصه بالسيول، ويعرف ذلك بتوالي الأنواء وكثرة الأمطار، وركود السحاب.
وقالت القبط: زيادته من عيون في شاطئه رآها من سافر ولحق بأعاليه؛ ويؤيده ما رواه القضاعي بسنده إلى يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لكعب الأحبار أسألك بالله! هل تجد لهذا النيل في كتاب الله عز وجل خبراً؟ قال: إي والله! إن الله عز وجل يوحي إليه في كل عام مرتين، يوحي إليه عند خروجه فيقول إن الله يأمرك أن تجري، فيجري ما كتب الله له، ثم يوحي إليه بعد ذلك فيقول: يا نيل إن الله يأمرك أن تنزل، فينزل. ولا شك أن جميع الأقوال المتقدّمة فرع لهذا القول، وهو أصل لجميعها.
وبكل حال فإنه يبدأ بالزيارة في الخامس من بؤنه من شهور القبط. وفي ليلة الثاني عشر منه يوزن الطّين، ويعتبر به زيادة النيل بما أجرى الله تعالى العادة به، بأن يوزن الطين الجاف الذي يعلوه ماء النيل زنة ستة عشر درهماً على التحرير، ويرفع في ورقة أو نحوها ويوضع في صندوق أو غير ذلك، ثم يوزن عند طلوع الشمس فمهما زاد اعتبرت زيادته كل حبة خروب بزيادة ذراع على الستة عشر درهماً.
وفي السادس والعشرين منه يؤخذ قاع البحر وتقاس عليه قاعدة المقياس التي تبنى عليها الزيادة.
وفي السابع والعشرين ينادى عليه بالزيادة، ويحسب كل ذراع ثمانية وعشرين أصبعاً إلى أن يكمل اثني عشر ذراعاً فيحسب كل ذراع أربعماً وعشرين أصبعاً، فإذا وفى ستة عشر ذراعاً، وهو المعبر عنه بماء السلطان، كسر خليج القاهرة، وهو يوم مشهود، وموسمٌ معدود، ليس له نظير في الدنيا؛ وفيه تكتب البشارات بوفاء النيل إلى سائر أقطار المملكة، وتسير بها البرد، ويكون وفاؤه في الغالب في مسرى من شهور القبط، وفيها جل زيادته.
وفي النيروز وهو أول يوم من توت يكثر قطع الخلجان والترع عليه، وربما اضطرب لذلك ثم عاد.
وفي عيد الصليب، وهو السابع عشر من توت المذكور يقطع عليه غالب بقية الترع.
وقد حكى القضاعي عن ابن عفير وغيره من القبط المتقدمين أنه إذا كان الماء في اثني عشر يوماً من مسرى النيل اثني عشر ذراعاً، فهي سنة ماء، والأ فالماء ناقص، وإذا تم الماء ستة عشر ذراعاً قبل النيروز فالماء يتم، ثم غالب وفائه يكون في النصف الأول من مسرى، وربما وفى في النصف الثاني منها، وقد يتأخر عن ذلك.
وفي الثامن من بابه يكون نهاية زيادته.
ورأيت في تاريخ النيل أنه تأخر وفاؤه في سنة ثمان وسبعمائة إلى تاسع عشر بابه فوفى ستة عشر ذراعاً، وزاد أصبعين بعد ذلك في يومين: كل يوم أصبع بعد أن استسقى الناس أربع مرات، وهذا مما لم نسمع بمثله في دهر من الدهور.
وقد جرت عادته أنه من حين ابتداء النداء بزيادته في السابع والعشرين من بؤنه إلى آخر أبيب تكون زيادته خفيفة ما بين أصبعين فما حولهما إلى نحو العشرة، وربما زاد على ذلك.
فإذا دخلت مسرى، اشتدت زيادته وقويت، فيزيد العشرة فما فوقها، وربما زاد دون ذلك، وأعظم ما تكون زيادته على القرب من الوفاء حتى ربما بلغ سبعين أصبعاً.
ومن العجيب أنه يزيد في يوم الوفاء سبعين أصبعاً مثلاً، ثم يزيد في صبيحة يوم الوفاء أصبعين فما حولهما، ويتم ذلك.
وله في آخر بابه زيادة قليلة يعبر عنها بصبة بابه لما ينصب إلى النيل من ماء الأملاق.
وقد ذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم وغيره: أنه لما فتح المسلمون مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل شهر بؤنة، فقالوا: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنةً لا يجري إلا بها، وهو أنه إذا كان اثنا عشر من هذا الشهر عمدنا إلى جاريةٍ بكرٍ من أبويها فأرضيناهما فيها، وزيناها بأفضل الزينة، وألقيناها فيه.
فقال: هذا مما لا يكون في الإسلام، فأقاموا أبيب ومسرى وهو لا يزيد قليلاً ولا كثيراً، فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرفه ذلك، فكتب إليه أن أصبت، وكتب رقعةٌ إلى النيل فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر.
أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك، فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار الذي يجريك، فنسأل الله أن يجريك.
وبعث بها إليه، فألقاها في النيل، وقد تهيأ أهل مصر للخروج منها، فأصبحوا يوم الصليب، وقد بلغ في ذلك اليوم ستة عشر ذراعاً.
ويروى أنه وقع مثل ذلك في زمن موسى عليه السلام، وهو أن موسى عليه السلام دعا على آل فرعون، فحبس الله عنهم النيل حتى أرادوا الجلاء، فرغبوا إلى موسى فدعا لهم بإجراء لهم بإجراء النيل رجاء أن يؤمنوا، فأصبحوا وقد أجراه الله في تلك الليلة ستة عشر ذراعاً.
ورأيت في تاريخ النيل المتقدم ذكره: أنه في زمن المستنصر أحد خلفاء الفاطميين بمصر مكث النيل سنتين لم يطلع، وطلع في السنة الثالثة وأقام إلى الخامسة لم ينزل، ثم نزل في وقته ونضب الماء عن الأرض، فلم يوجد من يزرعها لقلة؛ ثم طلع في السنة السادسة وأقام حتى فرغت السابعة، ولم يبق إلا صبابة من الناس، ولم يبق في الأقاليم ما يمشي على أربع غير حمار يركبه الخليفة المستنصر، وأنه في ست عشرة ذراعاً في ليلة واحدة بعد أن كان يخاض من بر إلى بر؛ وأقل ما انتهى إليه قاع النيل في النقص ذراع واحد وعشرة أصابع، ووقع ذلك من سنة الهجرة وإلى آخر الثمانمائة مرتين فقط: المرة الأولى- في سنة خمس وستين ومائة من الهجرة.
وبلغ النيل فيها أربع عشرة ذراعاً وأربعة عشر أصبعاً. والمرة الثانية- في سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وبلغ فيها سبع عشرة ذراعاً وخمسة أصابع.
وقد وقع مثل ذلك في زماننا، في سنة ست وثمانمائة. وأغي ما انتهى إليه القاع في الزيادة مما رأيته مسطوراً إلى آخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة تسعة أذرع.
وسمعت بعض الناس يقول إنه في سنة خمس وستين وسبعمائة كان القاع اثنتي عشرة ذراعاً.
وأقل ما بلغ النقص في نهاية الزيادة اثنا عشر ذراعاً وأصبعان، وذلك في سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وأغي ما كان إليه في الزمن المتقدم ثمانية عشر ذراعاً حتى تعجب الناس من نيل بلغ تسع عشرة ذراعاً في زمن عمر بن عبد العزيز، ثم انتهى في المائة السابعة إلى أن صار يجاوز العشرين في بعض الأحيان.
ومن العجيب أنه في سنة تسع وسبعين وثلثمائة كان القاع على تسع أذرع، ولم يوف بل بلغ خمس عشرة ذراعاً وخمس أصابع؛ وفي سنين كثيرة كان القاع فيها دون الذراعين، وجاوز الوفاء إلى ثماني عشرة ذراعاً فما دونها.
ولا عبرة بقول المسعودي في مروج الذهب إن أقل ما يكون القاع ثلاثة أذرع، وإنه في مثل تلك السنة يكون متقاصراً، فقد تقدم ما يخالف ذلك {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة}.
قلت: وقد جرت عادة صاحب المقياس، أنه يعتبر قياسه زمن الزيادة في كل يوم وقت العصر، ثم يمادي عليه من الغد بتلك الزيادة أصابع من غير تصريح بذرع إلا أنه يكتب في كل يوم رقاعاً لأعيان الدولة من أرباب السيوف والأقلام، كأرباب الوظائف من الأمراء، وقضاة القضاة من المذاهب الأربعة، وكاتب السر وناظر الخاص؛ وناظر الجيش، والمحتسب، ومن في معناهم؛ فيذكر زيادته في ذلك اليوم من الشهر العربي وموافقه من القبطي من الأصابع وما صار إليه من الأذرع ويذكر بعد ذلك ما كانت زيادته في العام الماضي في ذلك اليوم من الأصابع وما صار إليه من الأذرع والبعادة بينهما بزيادة أو نقص، ولا يطلع على ذلك عوام الناس ورعاعهم؛ فإذا وفى ستة عشرة ذراعاً صرح في المناداة في كل يوم بما زاد من الأصابع، وما صار إليه من الأذرع، ويصير ذلك مشاعاً عند كل أحد.
وأما مقاييسه، فقد ذكر إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب العجائب أن أول من وضع مقياساً خصليم السابع من ملوك مصر بعد الطوفان: صنع بركة لطيفة وركب عليها صورتي عقابٍ من نحاسٍ: ذكر وأنثى، يجتمع عندها كهنتهم وعلماؤهم في يوم مخصوص من السنة، ويتكلمون بكلام فيصفر أحد العقابين.
فإن صفر الذكر استبشروا بزيادة النيل، وإن صفرت الأنثى استشعروا عدم زيادته فهيأوا ما يحتاجون إليه من الطعام لتلك السنة.
قل المسعودي: وقد سمعت جماعة من أهل الخبرة يقولون: إن يوسف عليه السلام حين بنى الأهرام اتخذ مقياساً لمعرفة زيادة النيل ونقصانه.
قال القضاعي: وذلك بمدينة منف وقيل: إن النيل كان يقاس بأرض يقال لها علوة إلى أن بني مقياس منف، وأن القبط كانت تقيس عليه إلى أن بطل.
قلت: وموضع المقياس بمنف إلى الآن معروف على القرب من الأهرام اليوسيفية من جهة البلدة المعروفة بالبدرشين، وقيل كانوا يقيسونه بالرصاصة.
قال المسعودي: ووضعت دلوكة العجوز ملكة مصر بعد فرعون مقياساً بأنصنا صغير الأذرع، ووضعت مقياساً آخر بإخميم، ووضعت الروم مقياساً بقصر الشمع.
قال القضاعي: وكان المقياس قبل الفتح بقيسارية الأكسية بالفسطاط إلى أن ابتنى المسلمون أبنيتهم بين الحصن والبحر؛ ثم جاء الإسلام وفتحت مصر والمقياس بمنف.
كان النيل يقاس بمنف ويدخل القيّاس إلى الفسطاط فينادي به، ثم بنى عمرو بن العاص مقياساً بأسوان، ثم بنى مقياساً بدندرة، ثم بنى في أيام معاوية مقياساً بأنصنا.
فلما ولي عبد العزيز بن مروان مصر، بنى مقياساً صغير الأذرع بحلوان من ضواحي الفسطاط؛ ثم لما ولي أسامة بن زيد التّنوحي بنى مقياساً في جزيرة الصّناعة المعروفة الآن بالروضة بأمر سليمان بن عبد الملك أحد خلفاء بني أمية سنة سبع وتسعين من الهجرة، وهو أكبرها ذرعاً؛ ثم بنى المتوكّل مقياساً أسفل الأرض بالجزيرة المذكورة في سنة سبع وأربعين ومائتين في ولاية يزيد بن عبد الله على مصر، وهو المعمول عليه إلى زماننا هذا.
وكانت النصارى تتولّى قياسه فعزلهم المتوكل عنه ورتّب فيه أبا الردّاد عبد الله بن عبد السلام بن أبي الردّاد المؤدّب، وكان رجلاً صالحاً، فاستقرّ قياسه في بنيه إلى الآن؛ ثم أصلحه أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين ومائتين.
ثم كل ذراع يعتبر بثمانية وعشرين أصبعاً إلى تمام اثنتي عشرة ذراعاً، ثم يكون كل ذراع أربعةً وعشرين أصبعاً، فلما أرادوا وضعه على ستة عشر ذراعاً، وزعوا الذراعين الزائدين، وهما ثمانية وأربعون أصبعاً على اثني عشر ذراعاً لكل ذراع منها أربعة أصابع، فصار كل ذراع ثمانية وعشرين أصبعاً، وبقي الزائد على ذلك كل ذراع أربعة وعشرون أصبعاً.
قال القضاعي: وكان سبب ذلك فيما ذكره الحسن بن محمد بن عبد المنعم في رسالة له أن المسلمين لما فتحوا مصر عرض على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يلقاه أهلها من الغلاء عند وقوف النيل في حدّ المقياس لهم فضلاً عن تقاصره، ويدعوهم ذلك إلى الأحتكار، والأحتكار يدعوهم إلى زيادة الأسعار، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص يسأله عن حقيقة ذلك، فأجابه: إني وجدت ما تروى به مصر حتّى لا يقحط أهلها أربع عشرة ذراعاً، والحد الذي يروى منه سائرها حتّى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ست عشرة ذراعاً، والنهايتان المخوفتان في الزيادة والنقصان في الظمأ والأستبحار، اثنتا عشرة ذراعاً في النقصان وثماني عشرة ذراعاً في الزيادة. فاستشار عمر رضي الله عنه عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه في ذلك، فأشار بأن يكتب إليه أن يبني مقياساً، وأن يفضّ ذراعين على اثنتي عشرة ذراعاً، ويبقى ما بعدهما على الأصل.
قال القضاعي: وفي هذا نظر في وقتنا لزيادة فساد الأنهار، وانتقاض الأحوال، وشاهد ذلك أن المقاييس القديمة الصعيدية من أولها إلى آخرها أربعة وعشرون أصبعاً كل ذراع بغير زيادة على ذلك.
قال المسعودي: فإذا تم النيل خمس عشر ذراعاً، ودخل في ست عشرة، كان فيه صلاح لبعض الناس ولا يستسقى فيه، وكان فيه نقص من خراج السلطان، وإذا انتهت الزيادة إلى ست عشرة ذراعاً، ففيه تمام خراج السلطان وأخصب الناس، وفيه ظمأ ربع البلد، وهو ضار للبهائم لعدم المرعى.
قال: وأتم الزيادات العامة النافعة للبلد كله سبع عشرة ذراعاً، وذلك كفافها وري جميع أرضها. وإذا زاد على السبع عشرة ذراعاً وبلغ ثماني عشرة، استبحر من مصر الربع، وفي ذلك ضرر لبعض الضياع. قال: وذلك أكثر الزيادات.
قلت: هذا كما كان عليه الحال في زمانه وما في قبله وكان الحال جارياً على ما ذكره في غالب السنين إلى ما بعد السبعمائة.
أما في زماننا، فقد علت الأرض مما يرسب عليها من الطين المحمول مع الماء في كل سنة وضعفت الجسور، وصار النيل بحكمة الله تعالى إلى ثلاثة أقسام: متقاصرة وهي ست عشرة ذراعاً فما حولها، ومتوسطة وهي سبع عشرة ذراعاً إلى ثمان عشرة ذراعاً فما حولها؛ وعالية وهي ما فوق ثمانية عشرة، وربما زادت على العشرين.